صفات المتقين

المتقون هم الذين اجتمعت في نفوسهم فضائل الإيمان وعوامل الطاعة، فكانوا نموذجاً سامياً للمؤمنين الذين يسعون إلى رضا الله وابتغاء مرضاته. وقد ذكر الله تعالى صفات المتقين في كتابه الكريم في مواضع متعددة، فجاءت تلك الصفات تترابط لتشكل منظومة متكاملة تحكم سلوك الإنسان المسلم في حياته، وتوجهه نحو الخير والصلاح والنجاة من العقاب. وفي هذا المقال يتم تناول صفات المتقين تفصيلياً وفق النصوص الشرعية وفهم العلماء، مع بيان أهميتها ودورها في بناء الشخصية الإسلامية المتزنة.

معنى التقوى وأصلها اللغوي والشرعي

التقوى لغةً: مأخوذة من الوقاية والحذر، أي وقاية النفس من الشرور والأضرار.

والتقوى في الاصطلاح الشرعي: هي خشية الله تعالى، والانقياد لأوامره، والابتعاد عن نواهيه، والعمل بما يرضيه في السر والعلن، وتحصين النفس عن المعاصي والذنوب.

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [البقرة: 2:119]

فالتقوى إذاً ليست مجرد خوف أو جزع، وإنما هي منهج حياة شامل يضبط تصرفات الإنسان وأقواله وأفعاله.

الصفات الجوهرية للمتقين في القرآن الكريم

القرآن الكريم يعدد عدداً من الصفات التي تميز المتقين عن غيرهم، وتُبرز معالمهم في الحياة، وفيما يلي تفصيل لأبرز هذه الصفات:

1. الإيمان بالله واليوم الآخر

الإيمان هو أساس التقوى، ولا يمكن للمسلم أن يتقي الله دون الإيمان به وبرسله وباليوم الآخر. فالمتقون يمتازون بقلب خاشع مؤمن راسخ، يوقن بحقيقة وجود الله وقدرته.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُتَّقُونَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الذاريات: 51:15]

2. خشية الله ومراقبته في السر والعلن

خشية الله تعني أن يكون الإنسان واعياً بوجود الله الذي يراه، فلا يعصيه في الخفاء ولا في العلن، وهذا من أهم صفات المتقين.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 35:28]

وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 65:2]

3. الصبر على الطاعات وتحمل المشاق

المتقون يتحلون بالصبر والثبات على طاعة الله، رغم ما قد يلاقونه من مشقة أو ألم أو تضييق من الآخرين.

قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 2:45]

4. إنفاق المال في سبيل الله

من صفات المتقين الإنفاق مما يحبون في سبيل الله، وتقديم الصدقة والبذل للمحتاجين كدليل على صدق الإيمان والتقوى.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: 2:274]

5. تجنب المعاصي والذنوب

المتقون يحرصون على اجتناب كل ما يغضب الله من الذنوب والمعاصي، ويتوبون إذا أخطأوا بسرعة وإخلاص.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 5:27]

6. الحفاظ على الصلاة

الصلاة عماد الدين وأهم أركانه، والمتقون هم الذين يحافظون عليها في وقتها وبخشوع.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المعارج: 70:34]

7. الصدق في القول والعمل

الصدق من صفات المتقين في جميع أقوالهم وأفعالهم، إذ يكونون أمناء في كلامهم، ويحرصون على أداء الأمانة.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ [المعارج: 70:32]

8. التواضع والابتعاد عن الغرور

المتقون يتسمون بالتواضع، فهم يعلمون أن كل ما لديهم من نعم هو فضل من الله، ويبتعدون عن الكبر والتعالي.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ [الإسراء: 17:37]

9. الحرص على ذكر الله والدعاء

ذكر الله وتلاوة القرآن والدعاء من السمات البارزة للمتقين، الذين لا ينسون ربهم في السراء والضراء.

قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 2:152]

10. التعاون على البر والتقوى

المتقون يتعاونون فيما بينهم على الخير والبر والتقوى، ويساعدون بعضهم بعضاً في تحقيق أهداف الدين.

قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 5:2]

صفات المتقين في الحديث النبوي الشريف

أشار النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى صفات المتقين في أحاديث شريفة، بين خلالها ما يجب أن يتميز به المسلم الصادق في تقواه:

• الصدق والأمانة والوفاء بالعهود.

• ترك المعاصي والصبر على البلاء.

• الإحسان إلى الخلق.

• الخشوع في الصلاة.

• كف الأذى عن الناس.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَتْقَى النَّاسِ أَشَدُّهُمْ خُشْيَةً لِلَّهِ وَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» [رواه الترمذي].

أثر التقوى على حياة الإنسان والمجتمع

تنعكس صفات المتقين بشكل إيجابي على الفرد والمجتمع، فتجعل الحياة قائمة على العدل والأمانة والمحبة والتعاون. إن تقوى الله في قلب الإنسان هي التي تدفعه إلى الالتزام بالحق والحرص على حقوق الآخرين، والابتعاد عن الظلم والفساد.

على مستوى الفرد

• زيادة الطمأنينة النفسية والسكينة.

• حماية الإنسان من الوقوع في المعاصي والذنوب.

• الفوز برضا الله ونجاته يوم القيامة.

• اكتساب السعادة في الدنيا والآخرة.

على مستوى المجتمع

• إقامة العدل والإنصاف بين الناس.

• انتشار المحبة والتراحم والتعاون.

• ازدهار القيم الأخلاقية والدينية.

• بناء مجتمع قوي متماسك قادر على مواجهة التحديات.

جدول يوضح بعض صفات المتقين وأمثلتها القرآنية

التقوى ورؤية العلماء والمفسرين

أكد العلماء على أن التقوى تعني الالتزام بكل ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، وترك ما نهاه عنه من الذنوب والمعاصي، ورفع النفس إلى درجة عالية من الورع والخشية من الله. وذكر ابن كثير أن التقوى حصن للمؤمن، يدفع عنه شرور الدنيا والآخرة.

كما أشار ابن القيم إلى أن المتقين هم الذين يعيشون في طاعة الله بكل جوانبها، فلا تزحزحهم الأهواء عن الحق، ولا تغريهم الدنيا عن الآخرة.

الخلاصة

صفات المتقين تشكل خارطة طريق متكاملة للمؤمنين، توجههم إلى السير على منهج الله القويم في حياتهم اليومية. وتتجلى هذه الصفات في الإيمان الراسخ، والخشية الدائمة، والصبر، والصدق، والإنفاق، والمحافظة على الصلاة، والتواضع، والتعاون على الخير. إن التقوى ليست مجرد حالة عابرة، بل هي حياة متكاملة يعكسها الإنسان في كل أفعاله وأقواله، فتكون حصنَه من الفتن، وسبيلَه إلى رضوان الله والفوز بالجنة. بالتقوى تتحقق السعادة في الدنيا والآخرة، وتبنى المجتمعات الصالحة القادرة على الصمود في وجه التحديات.

المصادر والمراجع

• القرآن الكريم.

• تفسير ابن كثير.

• صحيح البخاري ومسلم.

• أضواء البيان في تفسير القرآن، بدر الدين العيني.